كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصرًا، وأنا لا زلت أقف بجوار حجرة الإنعاش داخل ذلك المستشفى، الذي اعتدت أن أخذ إليه زوجي للعلاج كلما داهمته نوبات مرض القلب، الذي يعاني منه منذ سنوات عديدة، هذه المرة داهمته تلك النوبة بوقت مبكر على غير العادة، كانت دائمًا ما تداهمه بأوقات متأخرة من الليل إلا هذه المرة. فكم من المرات التي وقفت بها بجوار تلك الحجرة، التي أرتعب كلما فتح بابها ونظرت إلى داخلها وأنا ممعنة النظر في حال من بها.

تلك الليلة دخلت إليها ولم أكتفي فقط بالوقوف خارجها عندما استدعاني الطبيب؛ ليسألني عن حالة زوجي المتقدمة، وما هي إلا لحظات ودخلت حالة أخرى أشد تقدما من الحالات الموجودة أمامي والتي ترقد على تلك الأسرّة دون حراك؛ مما اضطر الأمن إلى إخراجي فورًا من الإنعاش ليتمكن الأطباء من إسعاف تلك الحالة.
شعرت بعدة مشاعر مختلطة، خوف، رهبة، توجس، قلق، لم أكن متمالكة لنفسي من شدة التوتر والترقب، ذهني كان مشتتًا، شعرت به أحيانا يرسم فصولا لأحداث وتصورات قد تقع. كنت كمن يشتم رائحة المرض المنهك والموت المرتقب أيضًا، حينما تقع عيني على أحد المرضى وهو مسدى على ذاك السرير الذي يكاد أن يئن من كثر ما حمل من مرضى.

حاولت الدخول لتلك الغرفة مرة أخرى للاطمئنان على زوجي الذي كان في حالة صعبة بعض الشيء، ولكن تلك المرأة التي تعمل في الأمن والتي كانت تقف على الباب حالت دون دخولي، لدرجة أنني كنت على وشك التجادل معها بسبب منعها لي من الدخول. أشارت لي بالجلوس في غرفة الانتظار إلى أن يقوم الطبيب بإسعاف الحالة. توجهت إلى غرفة الانتظار تلك، وعندما دخلت اليها وجدتها مكتظة عن بكرة أبيها بالكثير من النسوة في ترقب أيضًا. حاولت أن أجد مقعدا فارغا ولكني لم أجد فكل المقاعد كانت مشغولة، فما كان مني إلا أن افترشت الأرض وجلست رغم أن جلوس الأرض يؤذيني.

كانت ليلة طويلة وقاسية قضيتها في التنقل بين ممرات المستشفى ذهابا وإيابا، وبين غرفة الانتظار وغرفة الإنعاش.

بعد منتصف الليل عدت لغرفة الانتظار تلك وجدت أحد المقاعد فارغًا في زاوية الغرفة، جريت نحوه مسرعة خوفا من أن يشغله أحد، وقفزت فوقه متربعة وأسندت راسي لزاويته وأغمضت عيناي للحظات فقط، كنت تعبة ومنهكة للغاية لم أشعر بنفسي إلا وموظفة الأمن تهز كتفي قائلة لي أختي الطبيب يستدعيك، نهضت متثاقلة قدماي لم تعد تحملاني من كثرة الوقوف والانتظار طوال الليل. التقيت الطبيب المشرف على الحال فأخبرني أن الحالة استقرت إلى حد ما ولكن تحتاج إلى متابعة مستمرة، ويجب أن يظل في غرفة العناية المشددة حتى تستقر الحالة كليا،

قال لي يجب أن تغادري لأن وجودك ليس له داعي؛ فلن تستطيعين مرافقة المريض حاليا.

خرجت مع باب المستشفى قبيل شروق الشمس، لا زلت أرى سيارة الإسعاف تقف وبداخلها أيضا حالات حرجة تتوافد للداخل المستشفى.

كل شيء هادئ إلا من معالم الصباح التي بدأت تشق الكون، وقطرات الندى المتساقطة على زجاج الأبواب الخارجية لقسم الطواري إنه الصباح الذي يبعث في النفس الراحة والسعادة، فتشعر أنك بخير وبأفضل حال أي كانت المنغصات، وأيًا كان طول ليلك فعلي الرغم من آلامنا وأفراحنا وأحوالنا فالحياة ستستمر بنا أو بدوننا.